للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول:
لم يطلب زكريا ولدا بل طلب ذرية طيبة ووليا يرثه ويرث من آل يعقوب ..
بيان ذلك: زكريا يعرف أنه لا يمكن أن ينجب لأنه شيخ كبير ولأن امرأته عاقر .. وهذا يدعونا لطرح سؤال:
ما الفرق بين العاقر والعقيم ؟
هناك فرق بين العقم والعقر ... فالعقيم لا يمكن أن تنجب وفق القوانين الطبيعية كامرأة إبراهيم .. لكن العاقر -من وجهة نظري- هي التي تجاوزت سن اليأس وأصبحت من القواعد كالناقة المعقورة طريحة الأرض .. ومن هنا يمكن القول: إن امرأة زكريا لم تكن عقيما بل أنجبت قبل أن تكون عاقرا بنات لزكريا وقد صرن متزوجات وأمهات لبنات .. فطلب زكريا أن يرزقه حفيدا من بناته اللاتي تزوجن أو تزوجت إحداهن من آل يعقوب .. هذا الحفيد سيرثه ويرث من آل يعقوب بصرف النظر عن نوعية الميراث .. هذا مجرد افتراض .. وبهذا نكون قد فككنا الشفرة وأجبنا عن السؤال .. لقد جاء الجواب من الله بشيء لم يتوقعه زكريا ولم يطلبه أساسا بأن الله سيهبه غلاما من صلبه ويكون الإنجاب خارقا للعادة .. من هنا كان استغراب وتساؤل زكريا: أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر... هذا مجرد رأي والله أعلم بالصواب .
ما الفرق بين كلمة " عاقر " وكلمة " عقيم" في القرآن الكريم
من حكمة الله تعالى أن القرآن الكريم هو الوحيد الذي فرق بين عاقر وعقيم. فالعاقر هي من يرتجى اصلاح أمرها وأنها قد تنجب. والعقيم هي من لا يرتجى منها الولد أو الإصلاح. لذلك قال الله تعالى : ( ويجعل من يشاء عقيما ) على لسان زكريا عليه السلام. قال تعالى : (وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً) [سورة : مريم - الأية: 5]. وذلك لأنه يرجو من الله أن تصلح فعبر بعاقر لأمله في أن تنجب. وعبرت زوجة ابراهيم عليه السلام : ( قالت عجوز عقيم ). لأنها بلغت من الكبر و لا تنتظر أن تصلح أو لم يكن في توقعها ذلك فمن وجهة نظرها أن الإنجاب مستحيل. ولكن الله تعالى أراد أن يجرى قدرته وآياته فجعلها تنجب بإذن الله. والله أعلم وسبحان الله القدير.
معنى عقيم في القرآن
العقم في الآيات الكريمة :
قوله تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) [سورة الذاريات]. في سورة الذاريات ( 29 ) : قيل : العقيم : التي لا تلد ، أي : قالت أنا عجوز عقيم ، فكيف ألد ، كما حكى الله تعالى عنها قولها : قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) ([سورة هود]:] فاستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما :
أحدهما : كبر السن .
والثاني : العقم ، لأنها كانت لا تلد في صغر سنها، وعنفوان شبابها، ثم عجزت وأيست فاستبعدت ، وكان بين البشارة والولادة سنة، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم عليه السلام يومئذٍ ابن مئة سنة.
وجاء في شروح قوله تعالى : قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) ([سورة هود] : وقدمت بيان حالها إذ ربما يولد للشيوخ من الشباب ، أما العجائز فداؤهن عقام ، ولأن البشارة متوجهة إليها صريحة . وهذه المعاني تؤيد ما يراه الباحث ، وخاصة اقتران كبر السن بالعقم.
قوله تعالى : عجوز عقيم ، حيث يحدث تغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر يشمل ضمور المبيضين وخلوهما من النطف ( البيضات ) ببلوغ سن الإياس ( أو اليأس ) في المرأة ، أي : انقطاع الحيض ، وبالتالي تفقد المرأة ـ بصفة نهائية ومطلقة ـ قدرتها على الحمل.
والارتباط بين انقطاع الحيض في النسوة العجائز وعدم القدرة على الإنجاب حقيقة معروفة منذ زمن طويل، ومما يدل على ذلك شروح بعض المفسرين لقوله تعالى: ) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) [ سورة هود ] حيث قيل : قوله تعالى : فَضَحِكَتْ (بمعنى : حاضت ونقل ذلك عن مجاهد وعكرمة وابن عباس وابن عمر.
وقوله تعالى : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) [سورة الشورى]. في سورة الشورى ( 49 ، 50 ) : قيل : معنى الآيات هو : فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى وإما صنفين ، ويعقم آخرين. وقوله تعالى : عقيماً أي : يمنعه هذا وهذا فلا نسل له ، أي : لا يولد له ذكر ولا أنثى.
معنى عاقر في القرآن
العقر في الآيات الكريمة :
قال تعالى هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) ([آل عمران] . سورة آل عمران ( 38 ـ 40 ) : قيل : المعنى أنه دعا أن يهب الله له ذرية طيبة ، والذي بعثه عليه السلام ، على الدعاء ما رآه من ولادة حنة لمريم ، وقد كانت عاقراً ، فحصل له رجاء الولد وإن كان كبيراً وامرأته عاقراً ، فإن كانت عاقراً عجوزاً فقد كانت حنة كذلك. وهذا يوضح بجلاء أن العاقر من الممكن أن تلد .
وقوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام : «أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر» يعني : من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له.
وقيل: إن زكريا عليه السلام يوم التبشير كان كبيراً. والعاقر : التي لا تلد وقيل : عاقر لأنه يراد به ذات عقر على النسب ، فصيغة فاعل للنسب وهو في المعنى مفعول أي : معقورة ، ولذلك لم تلحق تاء التأنيث ، ولو كان على الفعل لقال: عقرت فهي عقيرة كأن بها عقراً ، أي : بها كبر من السن ، يمعنها من الولد.
فزوجة زكريا عليه السلام لم يكن بها كبر من السن يجعلها ( عقيرة ) أو ( عقيم ) ـ فلم يرد أي من التعبيرين على لسان زكريا عليه السلام بل كانت ( عاقراً ) أي : ذات عقر على النسب، أي: لم تحمل قط منذ زواجها، فهو أمر ملازم لها حتى البشارة، ولا يعارض ذلك المنقول من أن عمرها كان ثمان وتسعون، حيث يخالفه ما ورد من أن زكريا عليه السلام كان أصغر من ذلك بكثير ، ويلحق بذلك صغر عمر زوجته .
وقوله تعالى : ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) [سورة مريم] . سورة مريم ( 1 ـ 9 ) : قوله تعالى : لم نجعل له من قبل سميا نقل عن ابن عباس أنه قال : معناه لم تلد العواقر مثله ولداً. وقيل : معناه : لم تلد عاقر مثله.
وقوله تعالى : قال رب أنى يكون لي غلام ( ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به ، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولداً من امرأة عاقر [3 ، 4]، لم تلد من أول عمرها في شبابها على شيبها ، وهي الآن عجوز. والعاقر هي التي لا تلد لكبر سنها والتي لا تلد أيضاً لغير كبر وهي المرادة هنا.
وبناءاً على هذا فالعاقر ـ خلافاً ( للعقيم ) ـ من الممكن أن تلد، والقول بأن العاقر هي التي لا تلد لغير كبر سن وهي المرادة هنا يؤيد ما ذهب إليه الباحث سابقاً، كما أن العاقر هي التي لا تلد أيضاً لكبر سنها فإن لم تحمل على الإطلاق حتى شيبها فهي ( عقيم).